اسليدرالاسلامياتمقالات واراء

زيارة القبور

احجز مساحتك الاعلانية

كتب:  كريم دسوقي
إن زيارة القبور الحكمة منها هي تذكر الآخرة، والمرأة أحوج من الرجل في كثير من الأحيان إلى تذكر الآخرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة”، وفي رواية: “ألا فزوروها ولا تقولوا هجراً”، والهجر الكلام القبيح وهو المنهي عنه شرعاً، والراجح أن هذا شامل للرجال والنساء.
لكن لابد من تعلم آداب الزيارة الشرعية، فالزيارة إنما ينتفع بها الزائر لا المزور، فالمزور لا ينتفع بالزيارة لأن الدعاء يصل إليه من أي مكان، إذا دعوت له هنا بعيداً عن قبره وصل الدعاء إليه، ولا يستشعر شيئاً من الزيارة، فلا هو يعلم بحضور أحد إليه ولا يسمع كلامه، وقد قال الله تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور * إن أنت إلا نذير}، وقال تعالى: {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين}، وقال تعالى: {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون}، فإنما يصل إليه الدعاء، والدعاء يصل إليه من أي مكان.
لكن المستفيد هو الزائر، فإنه يتذكر الآخرة وذلك في ثلاث درجات:
– الدرجة الأولى: هي إذا رأى أصحاب الأجداث فتذكر أن القبر إما أن يكون روضة من رياض الجنة أو أن يكون حفرة من حفر النار، وأن أصحاب هذه القبور كانوا في هذه الحياة يشق عليهم الانقطاع عن الناس والأخبار، وكانوا يديرون موجات المذياع أو قنوات التلفاز لسماع الأخبار وتلقيها وقد انقطعت عنهم الأخبار بالكلية، وكانوا لا يتحملون البرد ولا الحر ولا الوسخ، وهاهم اليوم أصبحوا مراتع للدود في اللحود، وكانوا لا يتحملون الظلام إذا انقطعت الكهرباء عن المدينة ضجوا وعجوا بذلك وقد انقطع عنهم النور بالكلية: “إن هذه القبور مظلمة على أهلها وإن الله ينورها بدعائي وصلاتي” كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فأصبحت أملاكهم وما كانوا يكتمونه من الأسرار يتداوله من سواهم، فمفاتيح هذا الميت أصبحت بيد غيره وما كان لديه من الوثائق والأسرار أصبح بيد آخرين، حتى ملابسه الخاصة التي كان يلبسها يلبسها من سواه، وفراشه ينام عليه غيره، فهذه موعظة وذكرى.
إذا لم يتعظ بها الإنسان، فالمقام
الثاني: هو الاتعاظ بحال أهله بعده، فإنه كان محبوباً بينهم وكانوا يعلقون عليه آمالاً وأحلاماً ولا يستغنون عنه بوجه من الوجوه، وإذا بات ولم تصل إليهم أخباره قلقوا غاية القلق فلا يستطيعون الانفصال عنه بوجه من الوجوه، ومع ذلك فقد انقطعت عنهم أخباره فحزنوا عليه الأيام الأول، ثم بعد ذلك نسوه!! فعادوا كما عاد الناس يضحكون ويتصرفون في شؤونهم.
تقلبت الدنيا كأن ليس حادث وما اختل من صرف الزمان نظام
فالذين يموتون إنما هم غرفة تؤخذ من البحر فيلتطم الماء من حولها وكأن شيئاً لم حصل، فأسف الناس وتندمهم وما يحصل من الحزن على المصائب إنما هو يسير محصور وتعود بعده الأمور إلى أحوالها، فتفكر الإنسان في حال أهليهم بعدهم وأنهم الآن مشغولون بأمورهم ولا يخطر على بال أحد منهم ذكر الذين ماتوا من الذين كانوا قرة عينه وملء سمعه وبصره، ولم يكن ينفصل عنهم بوجه من الوجوه، كما قال الشاعر:
وكنت إذا يسرى به بين ليلة يبيت على الأحشاء من بينه الجمر
فكيف ببين كان موعده الحشر
فهذا موعظة وذكرى، ولذلك حصل لرجل من التابعين كان في أيام معاوية رضي الله عنه جاء إلى الشام فرأى جنازة تحمل، فشارك في تجهيز الجنازة فلما واروه في التراب تذكر ظلمة القبر فبكى وأنشد قول الشاعر:
يا قلب إنك من أسماء مغرور *** فاذكر فهل ينفعنك اليوم تذكير
فبينما المرء في الأحياء مغتبط *** إذا هو الرمس تعفوه الأعاصير
يبكي عليه غريب ليس يعرفه *** وذو قرابته في الحي مسرور
فقال له الحاضرون أتعرف لمن هذه الأبيات؟ فقال: لا، فقالوا: قائلها صاحبك الذي دفنت وأنت الغريب الذي يبكي عليه، وابن عمه هو وارثه مسرور بموته!! فهذه موعظة تذكر الآخرة، إذا لم يتنفع الإنسان.
فالمقام الثالث: أن يتذكر أنه هو أحسن أحواله أن يموت بين المسلمين فيجهز ويصلى عليه ويدفن في المقابر كحال أولئك جميعاً: “تنفك تسمع ما حييت بهالك حتى تكونه”، فتسمع اليوم مات فلان وغداً مات فلان، وبعده أنت الميت فيذكر ذلك عنك، كما قال الهادي بن محمدي رحمة الله عليه:
لا بد أن سيقول يوماً قائل *** في عد من قد مات مات الهادي
فهذه موعظة وذكرى يتعظ بها الإنسان ويعرفها وهو يوقن أنها الحق، فما من أحد إلا وهو موقن بما حصل، لكن يخفى عنه تأثره به في بعض الأحيان لانشغاله بأمور الدنيا وغفلته عن أمور الآخرة، فإذن هذه فائدة زيارة القبور.
والتخطف بين الأجداث والمرور عليها منهي عنه نهياً شديداً، ولم يكن النبي يتخطف بين الأجداث، كان يزور القبور فكان يقف عند رءوسهم بحيث يراهم فيسلم عليهم ويدعو لهم والسلام دعاء، لا تظن أنه إذا سلم عليهم سيسمعون ويردون أبداً، فالسلام دعاء يصل إليهم، فهذا هو المشروع من الزيارة، وكثير من الناس يخالف هذا مخالفات كثيرة، منها ما يتعلق بالاعتقاد وقد ذكر في نواقض الإسلام التماس الحوائج من المخلوق الذي لا يقدر عليها، وقد ذكرنا آية سورة فاطر: {ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير}، وبالأخص إذا كان الإنسان عاقلاً وهو يعلم أن الذي يلتمسه عند هذا الميت الذي لا يسمعه الميت عاجز عنه، فأنت تريد عنده شفاء مرض وقد مات هو بسبب مرض، تريد عنده قضاء حاجة لو كان يملكها لقضاها لنفسه وقد عدمها، فإذن هذا لابد من الحذر منه وتركه.
كذلك الذبح عند القبور، فإن النبي لعن من ذبح لغير الله، وما ذبح على القبور هو مما أهل به لغير الله هو جيفة لا يحل الأكل منه ولا يحل استعماله وقد كان هذا من عمل الجاهلية كما قال زياد الأعجم:
فإذا مررت بقبره فانحر به *** كوم الجياد وكل طرف سابح
وانضح جوانب قبره بدمائها **** فلقد يكون أخا دم وذبائح
فهذا من عمل الجاهلية وقد رده الإسلام، ولعن رسول الله من ذبح لغير الله كما في كتاب علي رضي الله عنه الذي هو في قراب سيفه، فلذلك لابد من الحذر من هذا.

رئيس التحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

Related Articles

Back to top button